الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.[سورة البقرة: الآيات 183- 185]: .اللغة: ركدت، وصامت الشمس: كبدت أي كانت في كبد السماء، وصامت الدّابّة: أمسكت عن الجري، قال النابغة الذبياني: أي ممسكة عن الجري ثم خصّصه الإسلام بالمعنى المعروف له. {رمضان} في الأصل مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء، فأضيف إليه وجعل علما ومنع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، والمناسبة بين معناه وعبادة الصائم واضحة والعرب يضيفون لفظ شهر إلى كل من أسماء الشهر المبتدئة براء كربيع ورمضان ولم يستثن من ذلك سوى رجب فلا يضيفون إليه لفظ شهر وقد نظم بعضهم ذلك فقال: والمسألة على كل حال خلافية فعليك بالأحوط. .الإعراب: .البلاغة: وهو يبدو هنا كأخذة السحر لا يملك معه البليغ أن يأخذ أو يدع وقلّ من ينتبه له، فقوله: {لتكملوا العدة} علة للأمر بمراعاة العدة، وقوله: {ولتكبروا اللّه} علة للأمر بالقضاء، وقوله: {ولعلكم تشكرون} علة للترخيص والتيسير، وقد تقدم القول فيه، ونزيده بسطا فنقول: انه ضربان: أولهما أن يكون النشر على ترتيب اللف، وثانيهما أن يكون على غير ترتيب اللف، ويعتمد فيه على ذكاء السامع وذوقه، وسيأتي منه ما يخلب العقول. .الفوائد: - جمع أخرى تأنيث آخر وهي اسم تفضيل لا ينصرف لعلتين هما الوصفية والعدل، ومعنى العدل أنه عدل عن الألف واللام، وذلك أنها اسم تفضيل ولاسم التفضيل ثلاث حالات: آ- مقترن بأل. ب- مقترن بمن الجارة. ج- مضاف. ولما كانت أخر لم تقترن بشيء وليست مضافة قدر عدلها عن الألف واللام. - جمع أخرى بمعنى آخرة وهي منصرفة لفقدان علة العدل. مناقشة لابد منها: اختلف المفسرون في تأويل قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه} إلخ اختلافا شديدا لا يتسع المجال للاسهاب فيه، فنقتبس ما قالوه بطريق الإلماع، ثم ندلي بما عنّ لنا واللّه الملهم إلى السّداد. القول بالنسخ: فمنهم من قال: إن الحكم فيها منسوخ بالآية بعدها {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} والرخصة فيها للمريض والمسافر، وهو ما اختاره الامام الطّبري في تفسيره الكبير ونقله الزمخشري في كشافه وأبو حيان في البحر، مع التصريح بأن هذا قول أكثر المفسرين، على أن الامام الطّبري نقل كذلك قول من قالوا، لم ينسخ ذلك وهو حكم مثبت من لدن نزلت هذه الاية إلى قيام الساعة. رأي ابن كثير: واحترز ابن كثير فقال بعد تلخيص أقوال المفسرين قبله: فحاصل الأمر أن النسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بايجاب الصيام عليه، وأما الشيخ الفاني الهرم الذي لا يستطيع الصيام فله أن يفطر ولاقضاء عليه لأنه ليست له حال يصير إليها ويتمكن من القضاء. الزمخشري متردّد: وتردد الزمخشري بين القول بالنسخ وبين أن يكون تأويل الاية على تقدير: ومن يتكلفونه على جهد منهم وعسر، وهم الشيوخ والعجائز، وحكم هؤلاء الإفطار والفدية وهو على هذا الوجه غير منسوخ. ومشكلة زيادة لا: على أن القائلين بعدم النسخ ذهبوا في تأويل الآية مذاهب شتى، فمنهم من صرح بأنها على تقدير حذف لا النافية، وهي مرادة، ونقلوا عن ابن عباس قوله لا رخصة إلا للذي لا يطيق الصوم، وعن عطاء: هو الكبير الذي لا يستطيع بجهد ولا بشيء من الجهد، وأما من استطاع بجهد فليصم ولا عذر له في تركه، وقال ابو حيان في البحر: وجوز بعضهم أن تكون لا محذوفة فيكون الفعل منفيا وتقديره: وعلى الذين لا يطيقونه حذف لا وهي مرادة. أبو حيان يخطّئ القائلين بالحذف: واستطرد أبو حيان معقبا فقال: وتقدير لا خطأ. لأنه مكان اليأس، وعلى ذلك درج الجلال. الفقهاء لا يختلفون في جواز الفطر للشيخ والمريض: ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في جواز الفطر والفدية للشيخ الهرم والمريض الذي لا يرجى برؤه، لكنهم اختلفوا في المرضع والحامل قياسا على الشيخ الهرم فالإمام الشافعي قال بالفدية قياسا على الشيخ الهرم، وأوجب عليهما القضاء مع الفدية أما الامام أبو حنيفة فأوجب على الحامل والمرضع- إذا خافتا على الوليد- القضاء لا الفدية، وأبطل القياس على الشيخ الهرم لأنه لا يجب عليه القضاء. نستبعد حذف لا: على أننا نستبعد أن تكون لا محذوفة هنا وهي مرادة، فالآية من آيات التشريع والأحكام، والفعل فيها مثبت، وتأويلها على تقدير لا محذوفة ينقض الإثبات بالنفي ولو كانت الفدية على من لا يطيقونه لأخذ حرف النفي مكانه في نص الحكم الشرعي، ولم يدع لنا مجالا للاختلاف على تأويله بين النقيضين من اثبات ونفي أما الطاقة فهي في العربية أقصى الجهد ونهاية الاحتمال واستعمال القرآن الطاقة اسما وفعلا يؤذن بأنها مما يستنفد الجهد وطاقة الاحتمال، كما تشهد بذلك آياتها الثلاث، وكلها من سورة البقرة: 1- {قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}. 2- {ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به}. 3- {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}. فندرك أن الأمر في احتمال الصوم إذا جاوز الطاقة، وخرج إلى ما لا يطاق سقط التكليف لأنه لا تكليف شرعا بما لا يطاق، واللّه سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها. 3- قد يشرب العرب لفظا معنى لفظ، فيعطى حكمه ويسمى ذلك تضمينا، كما ضمن {لتكبروا} معنى تحمدوا ومنه قول الفرزدق: فضمن قتل معنى صرف الصرف وذلك كثير في كلامهم. .[سورة البقرة: الآيات 186- 187]: .اللغة: {تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ} تخونون أنفسكم وتنقصونها حظها من الخير، واشتقاق الاختيان من الخيانة كالاكتساب من الكسب وفيه زيادة وشدّة. .الإعراب: {لِي} الجار والمجرور متعلقان بيستجيبوا {وَلْيُؤْمِنُوا بِي} عطف على قوله فليستجيبوا لي {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} لعلّ واسمها، وجملة الرجاء حالية {أُحِلَّ} فعل ماض مبني للمجهول {لَكُمْ} الجار والمجرور متعلقان بأحل {لَيْلَةَ الصِّيامِ} الظرف ظاهر الكلام أنه متعلق بأحل، وقد أعربه الكثيرون كذلك، وفيه أن الإحلال ثابت قبل ذلك الوقت، فالأولى تقديره بمحذوف مدلول عليه بلفظ الرفث، أي أن ترفثوا، ولم نعلقه بالرفث لأن فيه تقديم معمول الصلة المفهومة من ال على الموصول {الرَّفَثُ} نائب فاعل لأحل {إِلى نِسائِكُمْ} الجار والمجرور متعلقان بالرفث وجملة: {أُحِلَّ} وما تلاها مستأنفة مسوقة لإزالة اللبس. وإيضاح ذلك أنه كان في مستهل الأمر إذا أفطر الرجل حلّ له الطعام والشراب والجماع إلى أن يصلي العشاء الآخرة أو يرقد قلبها. فإذا صلاها أو رقد حرم عليه ذلك إلى الليلة القابلة. ثم إن عمر بن الخطاب واقع أهله بعد صلاة العشاء الآخرة، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه، فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال: يا رسول اللّه إني أعتذر إلى اللّه وإليك من نفسي هذه الخاطئة، وأخبره بما فعل، فقال عليه الصلاة والسلام: ما كنت جديرا بذلك يا عمر. فنزلت {هُنَّ} ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ {لِباسٌ} خبر {لَكُمْ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لباس والجملة مفسرة لا محل لها لبيان سبب الإحلال {وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ} عطف على سابقتها {عَلِمَ اللَّهُ} الجملة تعليل لسبب نزول الآية: {أَنَّكُمْ} أن واسمها {كُنْتُمْ} فعل ماض ناقص والتاء اسمها {تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ} الجملة الفعلية خبر كنتم. وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي علم {وَعَفا عَنْكُمْ} عطف على جملة علم اللّه {فَالْآنَ} عطف على محذوف مقدر أي فتبتم فتاب عليكم والآن ظرف زمان متعلق بباشروهنّ {بَاشِرُوهُنَّ} فعل أمر وفاعل ومفعول به {وَابْتَغُوا} عطف على باشروهن {ما} اسم موصول في محل نصب مفعول به {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها صلة ما {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الواو استئنافية مسوقة لتعميم الحكم، نزلت في صرمة بن قبس، وذلك أنه كان يعمل في أرض له وهو صائم، فلما أمسى رجع إلى أهله فقال: هل عندك من طعام؟ فقالت: لا، وأخذت تصنع له طعاما، فأخذه النوم من التعب، فكره أن يأكل خوفا من اللّه، فأصبح صائما مجهودا في عمله مكدودا، فلم يكد ينتصف النهار حتى غشي عليه، فلما أفاق أتى إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وأخبره بما وقع، فنزلت الآية: {حَتَّى} حرف غاية وجر {يَتَبَيَّنَ} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى، والمصدر المنسبك من أن والفعل متعلقان بكلوا {لَكُمْ} الجار والمجرور متعلقان بيتبين {الْخَيْطُ} فاعل {الْأَبْيَضُ} صفة، وهو أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود {مِنَ الْخَيْطِ} الجار والمجرور متعلقان بيتبين، وجاز تعليق الحرفين بفعل واحد وإن اتحد لفظاهما لاختلاف معنييهما {الْأَسْوَدِ} صفة {مِنَ الْفَجْرِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال، أي حال كون الأبيض هو الفجر. روى البخاري ومسلم عن عدي ابن حاتم قال: لما نزلت عمدت إلى عقال أسود وعقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي، وجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار. وسيأتي مزيد بيان لذلك في باب البلاغة. {ثُمَّ أَتِمُّوا} ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي، وأتموا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل {الصِّيامِ} مفعول به {إِلَى اللَّيْلِ} الجار والمجرور متعلقان بأتموا {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} الواو عاطفة، ولا ناهية، وتباشروهن فعل مضارع مجزوم بلا {وَأَنْتُمْ} الواو للحال، وأنتم مبتدأ {عاكِفُونَ} خبر {فِي الْمَساجِدِ} جار ومجرور متعلقان بعاكفون والجملة الاسمية حالية {تِلْكَ} اسم إشارة مبتدأ {حُدُودُ اللَّهِ} خبر ومضاف إليه وجملة: {تلك} استئنافية {فَلا تَقْرَبُوها} الفاء الفصيحة، ولا ناهية، وتقربوها فعل مضارع مجزوم بلا، أي إذا شئتم السلامة بأنفسكم فانتهوا ولا تقربوها، فقد كان بعضهم يخرج وهو معتكف ويجامع امرأته ويعود والجملة استئنافية {كَذلِكَ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف مفعول مطلق أو حال {يُبَيِّنُ اللَّهُ} فعل مضارع وفاعله {آياتِهِ} مفعول به والجملة استئنافية {لِلنَّاسِ} الجار والمجرور متعلقان بيبين {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} لعل واسمها، وجملة: {يتقون} خبرها، وجملة الرجاء حالية.
|